كان جحا يقضي أجمل أوقاته في فترة الظهيرة وهو يجلس في الطابق العلوي من منزله، حيث يكون الضوء ساطعاً والجو هادئاً، ما يمكّنه من القراءة فترة طويلة حيث تكون الشمس حارة وقوية، ونادراً ما يخرج الناس من بيوتهم إلا للضرورة..
وكان جحا في هذه الفترة لا يظهر على أحد من الناس... وكان الجميع يعرف أن جحا يفضل العزلة في هذا الوقت..
وكان بعض الناس في مجلس فتذكروا أمر جحا.. فتحدى رجل الموجودين بأنه سوف يخرج جحا عن عادته اليومية ويخترق عزلته اليومية.. وذلك بأن يمثل عليه دور الفقير المحتاج.. فقد كان جحا مشهوراً بطيبة قلبه وإسراعه لمساعدة المحتاجين وطالبي الحاجة.. حتى أنّه يخرج بنفسه لمساعدتهم أينما كانوا..
وإختار الرجل يوماً شديد الحر، وفيما كان جحا يقضي وقته بالمطالعة والبحث والقراءة.. سمع صوت طرق على بابه.. فلم يرد على الطارق لأول مرة.. لكن الطارق ظل يطرق الباب بقوة وخشي جحا أن تستيقظ امرأته.. وكانت متعودة على النوم في هذا الوقت من كل يوم بعد تعب طويل في شغل البيت من طبخ وتنظيف وخدمة زوجها وزوّاره... فأطلّ من الشباك فرأى رجلاً يحمل عصى غليظة يطرق بها الباب..
فصاح جحا: على مهلك أيها الطارق.. ما هذا الإزعاج وسط النهار؟؟ من أنت وماذا تريد؟
فقال الرجل: انزل يا جحا إلىَّ تحت أريد أن أكلمك..
فقال جحا: قل لي ما تريد وأنا فوق؟ ما هذا الأمر الخطير الذي يستدعي نزولي وأنا في فترة راحتي وخلوتي؟؟ قل ما تريد فأنا أسمعك..
لكن الرجل أصرّ أن ينزل جحا من الطابق العلوي ليكلمه دون أن يسمعهما أحد من الناس..
فنزل جحا دون أن يكون راضياً..
وبعد أن رحب جحا بالرجل وصافحه.. قال الرجل: يا جحا.. أنا رجل فقير الحال، وقد سمعت عن حسناتك وطيبة قلبك وحسن تدبيرك ومعونتك للآخرين.. أريد حسنة يا سيدي.. لأطعم بها أولادي الجائعين.. وهم بالمنزل لم يأكلوا منذ يومين..
وصار الرجل يتصنع البكاء.. وكان يريد أن يستعطف قلب جحا ويضطره للخروج من منزله في هذا الوقت الذي لا يخرج فيه ويجلب الطعام وينقله لأولاده الجائعين حسب زعمه.. وبذلك يكسب التحدي..
فنظر جحا إلى هيئة الرجل فلم يلاحظ عليه شدة فقر أو عوز كما يدعي.. بل كان يبدو أنّه من أصحاب الجاه والعز..
وكان جحا عالماً بالرجال.. يميز بنباهته وذكائه مَن هو الصادق مِن الكاذب..
فاغتاظ جحا وقرر أن يلقنه درساً..
فقال له بصوت منخفض وكأن قلبه قد رقّ له وأنه سوف يستجيب لطلبه: إتبعني أيها الرجل الطيب..
وصعد جحا إلى أعلى البيت والرجل يتبعه، فلما وصلا إلى الطابق العلوي.. إتخذ جحا سلماً يقوده إلى سطح المنزل.. وكان السلم طويلاً والرجل سميناً ضخم الجثة.. فأتعبة جداً صعود السلم وصار يلهث من التعب.. حتى وصل إلى أعلى المنزل في العراء وكانت الشمس شديدة والهواء حار جداً.. فوقف الرجل في هذا الجو اللاهب ينتظر ما سيعطيه أياه جحا.. لكن جحا قال: له إنتظرني سأعود حالاً..
وبعد أن تركه تحت الشمس فترة من الوقت وخاف جحا أن يصيبه مكروه من شدة الشمس.. عاد إليه وقال له: الله يعطيك.. ليس عندي اليوم لا درهم ولا دينار ولا حتى حبة قمح...
فأجابه الرجل مغتاظاً: ولماذا لم تقل لي ذلك ونحن تحت؟
فقال جحا متهكماً مبيناً له أنّه إكتشف لعبته: وأنت لماذا أنزلتني ولم تقل لي وأنا فوق؟
فذهل الرجل من موقف جحا وذهب إلى أصدقائه يجر الخيبة من ورائه..
وسلّم الجميع بعد هذا الموقف بذكاء جحا ونباهته....
الكاتب: طارق البكري.
المصدر: موقع منارات.